کد مطلب:323807 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:402

جموح النظرة للمرأة
المهم هنا أن نقرر جموح النظرة الی المرأة، بعد انقلات اوروبا من نیر الكنیسة و التصورات الكنسیة، و شرودها - أبان هذا - عن الله و عن منهجه فی الحیاة، و الفصل بین اللذة الجنسیة فی علاقات الجنسین و أهدافها الانسانیة - ثم أهدافها الحیوانیة أیضا! [1] .

الی ان یقول الاستاذ سید قطب: «لقد جربت الكنیسة حین وقفت - بالباطل - فی وجه میول الناس الفطریة، كیف خرجوا علیها و داسوها و أهملوها، فعادت الان تتجنب أن تقف - بالحق - فی وجه شهواتهم و نزواتهم، فیدوسوا علیها و یهملوها!»

لقد عادت اوربا الی حیاة الرومان القدیمة التی تسمح للآلهة و الأرباب أن تنطق بالرجز علی ألسنة الكهان، و أن تكون مواسمها مواسم بهجة و لذة و متاع.. و ذلك دون أن یسمحوا لها بالتدخل فی شؤون حیاتهم او توجیهها وجهة تنافی اللذة و المتاع.

و یخدع بعض الناس هنا فیحسبون أن للكنیسة نفوذا فی حیاة الناس. و ان للدین هناك وجودا جدیا یستحق الاحترام، و یحسبون أن «مرونة» الكنیسة و «ثقافتها» هناك هی التی ضمنت لها هذا النفوذ، و ضمنت للمسیحیة أن تبقی بعد أعاصیر عهد النهضة و التنویر و المادیة.. و هو مجرد و هم لا یقوم علی معرفة ما هو واقع هناك.

و لكن رجلا اوربیا مستنیرا مدركا مثل «لیوبولد فایس» الذی أسلم و اهتدی و سمی نفسه «محمد أسد» لا یخدعه ما یخدع بعض الناس هنا.. لأنه عاش
هناك. فیقرر فی كتاب «الاسلام علی مفترق الطرق» مما تضمنته مشاهداتنا الكثیرة فی أمریكا عن هذا الأمر بالذات..

یقول: «لقد سیطر علی الغرب الحدیث فی أوجه نشاطه و جهوده اعتبارات من الانتفاع العملی (المادی) و من التوسع الفعال فقط. و قد كان هدفه الذاتی انما هو المعالجة و الاكتشاف لكوامن الحیاة، من غیر أن ینسب الی تلك الحیاة حقیقة أدبیة فی ذاتها. أما قضیة «معنی الحیاة» و الغایة منها، فقد فقدت منذ زمن بعید فی نظر الاوربی الحدیث جمیع اهمیتها العملیة..».

«ان الاتجاه الدینی مبنی دائما علی الاعتقاد بأن هناك قانونا أدبیا مطلقا شاملا، و أننا - نحن البشر - مجبرون علی أن نخضع أنفسنا لمقتضیاته، ولكن المدنیة الغربیة الحدیثة لا تقر الحاجة الی خضوع ما الا لمقتضیات اقتصادیة، أو اجتماعیة، أو قومیة. ان معبودها الحقیقی لیس من نوع روحانی. ولكنه «الرفاهیة». و ان فلسفتها الحقیقیة المعاصرة انما تجد قوة التعبیر عن نفسها عن طریق الرغبة فی القوة.. و كلا هذین موروث من المدنیة الرومانیة القدیمة» [2] .

«كانت الفكرة التی تقوم علیها الامبراطوریة الرومانیة الاجتیاح بالقوة، و استغلال الأقوام الآخرین لفائدة الوطن الأم وحده. و فی سبیل الترفیه عن فئة ممتازة لم یر الرومان فی عنفهم سوءا و لا فی ظلمهم انحطاطا. و ان «العدل الرومانی» الشهیر كان عدلا للرومانیین وحدهم. و من البین ان اتجاها كهذا، كان ممكنا فقط علی أساس ادراك مادی خالص للحیاة و للحضارة. ادراك مادی هذبه علی التأكید ذوق فكری. و لكنه علی كل حال بعید عن جمیع القیم الروحیة. ان الرومانیین - فی الحقیقة - لم یعرفوا الدین. و ان آلهتهم التقلیدیة لم تكن سوی محاكاة شاحبة للخرافات الیونانیة.. لقد كانت أشباحا سكت عن وجودها حفظا
للعرف الاجتماعی. و لم یكن یسمح لها قط بالتدخل فی أمور الحیاة الحقیقیة. بل كان علیها ان تنطق بالرجز علی ألسنة عرافیها - اذا سئلت مثل ذلك - و لكن لم یكن ینتظر منها ان تمنح البشر شرائع خلقیة.

«تلك كانت التربة التی نمت فیها المدنیة الغربیة الحدیثة.. و لقد عملت فیها بلا شك مؤثرات أخری كثیرة فی أثناء تطورها. ثم انها بطبیعة الحال قد بدلت و حورث فی ذلك الارث الثقافی الذی ورثته عن رومیة فی أكثر من ناحیة واحدة.. و لكن الحقیقة الباقیة أن كل ما هو الیوم حقیقی فی الاستشراق الغربی للحیاة و الأخلاق، یرجع الی المدنیة الرومانیة.. و كما ان الجو الفكری و الاجتماعی فی رومیة القدیمة كان نفعیا بحتا، و لا دینیا - لا علی الافتراض بل علی الحقیقة - فكذلك هو فی الغرب الحدیث.. و من غیر أن یكون لدی الا و ربی برهان علی بطلان الدین المطلق، و من غیر أن یسلم بالحاجة الی مثل هذا البرهان، تری التفكیر الا و ربی الحدیث - بینما هو متسامح فی الدین، و أحیانا یؤكد أنه عرف اجتماعی - ترك علی العموم، الأخلاق المطلقة خارج نطاق الاعتبارات العملیة.

«ان المدینة الغربیة لا تجحد الله البتة، و لكنها لا تری مجالا و لا فائدة لله فی نظامها الفكری الحالی.. فقد اصطنعت فضیلة من العجز الفكری فی الانسان - أی من عجز عن الاحاطة بمجموع الحیاة - و هكذا یمیل الأوروبی الحدیث، الی أن ینسب الأهمیة العملیة فقط الی تلك الأفكار التی تقع فی نطاق العلوم التجریبیة، أو تلك التی ینتظر منها علی الأقل أن تؤثر فی صلات الانسان الاجتماعیة بطریقة ملموسة.. و بما أن قضیة وجود الله لا تقع تحت هذا الوجه و لا تحت ذاك، فان العقل الأوربی یمیل بداءة الی اسقاط «الله» من دائرة الاعتبارات العملیة» [3] .
و یقرر الاستاذ أبوالحسن الندوی هذه الحقیقة باختصار فی كتابه القیم «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمین» فی قوله: «دیانة اوربا الیوم، المادیة، لا النصرانیة. فما لا شك فیه ان دین اوربا الیوم الذی یملك علیها القلب و المشاعر، و یحكم علی الروح هو «المادیة» لا «النصرانیة» كما یعلم ذلك كل من عرف النفسیة الأوربیة عن كئب، لا عن كتب، بل و عن كتب ایضا. و لم ینخدع بالمظاهر الدینیة، التی تزید ابهة الدولة، و التی یجد فیها الشعب ترویحا للنفس و تنوعا.. و لم ینخدع بزیارتهم للكنائس، و حضورهم فی تقالیدها» [4] .

و لا بأس - بعد رسم هذه الصورة بقلم الكاتبین الواعیین - ان تضیف الیها فقرة مما كتبه الاستاذ سید قطب فی كتاب «امریكا التی رأیت» [5] عن موضوع الكنیسة و المجتمع بالذات، فی مسألة المرأة و العلاقات بین الجنسین.. فقد یزید فی جلاء السبب الذی أطلق البهائیون فیه شعار «المساواة بین الرجال و النساء» لاستهواء الاوربیین و الامریكیین خاصة، ثم الشعوب الاسلامیة من بعد خلال التأثر الحضاری الكاذب: «لیس اكثر من الامریكان تشییدا للكنائس، حتی لقد أحصیت فی بلدة واحدة، لا یزید سكانها علی عشرة آلاف، أكثر من عشرین كنیسة، و لیس أكثر منهم ذهابا الی الكنائس فی لیلات الأحد و أیامه، و فی الأعیاد العامة و أعیاد القدیسین المحلیین. و هم اكثر من «الأولیاء» عند عوام المسلمین!

و بعد ذلك كله لیس هناك من هو أبعد من الامریكی عن الشعور بروحیة الدین و احترامه و قداسته. و لیس أبعد من الدین عن تفكیر الامریكی و شعوره و سلوكه.
«و اذا كانت الكنیسة مكانا للعبادة فی العالم النصرانی - علی تفاوت - فانها فی أمریكا مكان لكل شی ء الا للعبادة. و انه لیصعب علیك أن تفرق بینها و بین أی مكان آخر معه للهو و التسلیة، او ما یسمونه بلغتهم «Fun» و معظم قصادها انما یعدونها تقلیدا اجتماعیا ضروریا، و مكانا للقاء و الأنس، و لتمضیة «وقت طیب Good time» و لیس هذا شعور الجمهور وحده، و لكنه كذلك شعور سدنة الكنیسة و رعاتها.

«و لمعظم الكنائس ناد یتألف من الجنسین - شبانا و شواب - و یجتهد راعی كل كنیسة أن یلحق بالكنیسة اكبر عدد ممكن. و بخاصة أن هناك تنافسا كبیرا بین الكنائس المختلفة و المذاهب و النحل. و لهذا تنسابق جمیعا فی الاعلان عن نفسها بالنشرات المكتوبة، و بالأنوار الملونة علی الأبواب و الجدران، للفت الأنظار، و بتقدیم البرامج اللذیذة المشوقة، لجلب الجماهیر، بنفس الطریقة التی تتبعها المتاجر، و دور العرض السینمائی و التمثیل. و لیس هناك من بأس فی استخدام أجمل فتیات المدینة و أرشقهن و أبرعهن فی الغناء و الرقص و الترویح.. تماما كما تقف فتیات فی ثیاب شدیدة اللمعان و الاثارة - أو فی «مایوه» - فی مداخل و طرقات دور السینما لجذب الأنظار.

«و هذه - مثلا - محتویات اعلان عن حفلة كنسیة، كانت ملصقة فی قاعة اجتماع الطلبة فی احدی الكلیات، لجذب طلبة الكلیة و طالباتها الی كنیسة معینة فی المدینة الجامعیة الصغیرة:

«یوم الأحد - أول اكتوبر سنة 1950 - فی الساعة السادسة مساء.. »

«عشاء خفیف.. ألعاب سحریة.. الغاز.. مسابقات.. تسلیة.. رقص».

و لیس فی هذا أیة غرابة. لأن راعی الكنیسة لا یحس أن عمله یختلف فی شی ء عن عمل مدیر المسرح، أو مدیر المتجر.. النجاح أولا و قبل كل شی ء.. و لا نهم الوسیلة.. و هذا النجاح یعود علیه بنتائجه الطیبة: المال، و الجاه، فكلما كثر
عدد الملتحقین بكنیسة عظم دخله، و زاد كذلك احترامه و نفوذه فی بلده. لأن الأمریكی بطبیعته یؤخذ بالضخامة فی الحجم و العدد. و هی مقیاسه الأول فی الشعور و التقدیر...

«كنت لیلة فی احدی الكنائس ببلدة (جریلی) بولایة (كولورادو) فقد كنت عضوا فی نادیها، كما كنت عضوا فی عدة نواد كنسیة فی كل جهة عشت فیها ما بین و شنطن فی الشرق و كالیفورنیا فی الغرب. اذ كانت هذه ناحیة هامة من نواحی المجتمع، تستحق الدراسة عن كثب، و من «الباطن» لا من «الظاهر» و كنت معنیا بدراسة المجتمع الأمریكی..

«و بعد أن انتهت «الخدمة الدینیة» فی الكنیسة، و اشترك فی التراتیل فتیة و فتیات من الاعضاء، و أدی الآخرون الصلاة.. دلفنا من باب جانبی الی ساحة الرقص الملاصقة لقاعة «الصلاة».. یصل بینهما باب.. و صعد «الأب» الی مكتبة، و أخذ كل فتی بید فتاة، و بینهم و بینهن اولئك الذین و اللواتی، كانوا و كن یقومون بالترتیل و یقمن»..

«و كانت ساحة الرقص مضاءة بالأنوار الحمراء و الاضواء الزرقاء، و قلیل من المصابیح البیضاء»..

«و حمی الرقص علی أنغام «الجرامفون» و سالت الساحة بالأقدام و السیقان و التفت الاذرع بالحضور و التقت الشفاه و الصدور.. و كان الجو كله غراما.. حین هبط الأب من مكتبه، و ألقی نظرة فاحصة علی المكان و من فی المكان، و شجع الجالسین و الجالسات ممن لم یشتركوا فی الحلبة، علی أن ینهضوا فیشاركوا.. و كأنما لحظ أن المصابیح البیضاء تزید نسبتها فتفسد ذلك الجو «الرومانسی» الحاكم، فراح فی رشاقة الامریكائی و خفته، یطفئها واحدا واحدا، و هو یتحاشی أن یعطل حركة الرقص، أو یصدم «زوجا» من الراقصین فی الساحة.. و بدا المكان بالفعل اكثر «رومانسیة».. ثم تقدم الی «الجرامفون» لیختار أسطوانة
للرقص، تناسب ذلك الجو، و تشجع القاعدین و القاعدت علی المشاركة فیه.

«اختار أغنیة أمریكیة مشهورة اسمها (و لكن الجو - یا صغیرتی - بارد فی الخارج)..

«و هی تتضمن حوارا بین فتی و فتاة عائدین من سهرتهما. و قد احتجزها الفتی فی داره، و هی تدعوه أن یدعها تمضی لتعود الی دارها، فقد تأخر اللیل، و أمها تنتظرها، و كلما تذرعت بحجة أجابها بتلك اللازمة: (و لكن الجو یا صغیرتی بارد فی الخارج....)

«و انتظر الأب، حتی رأی خطوات «بناته و بنیه» تنساب علی موسیقی تلك الأغنیة المثیرة. و بدا راضیا مغتبطا. و غادر ساحة الرقص الی داره، تاركا لهم و لهن اتمام هذه السهرة اللذیذة.. البریئة.. علی أن یسلم مفتاح الكنیسة فی داره آخر «زوج» ینصرف من الكنیسة. فالانصراف یكون تباعا حسب مزاج كل زوج!!!

«(و أب) آخر یتحدث الی صاحب لنا عراقی من الطلبة، توثقت بینه و بینه عری الصداقة، فیسأله عن «ماری» - زمیلته بالكلیة - لم لا تحضر الی الكنیسة الآن؟ و یبدی أنه لا یعنیه أن تغیب فتیات الكنیسة جمیعا و تحضر «ماری». و حین یسأله الشاب عن سر هذه اللهفة، یجیب «الأب».. انها جذابة. و ان معظم الشبان انما یحضرون وراءها!

«و یحدثنی شاب من شیاطین الشبان العرب العراقیین الذین كانوا یدرسون فی أمریكا.. و كنا نطلق علیه اسم «أبو العتاهیة» - و ما أدری ان كان ذلك یغضب الشاعر القدیم أو یرضیه! - ان «صدیقته» كانت تنتزع نفسها من بین احضانه أحیانا، لأنها ذاهبة للترتیل فی الكنیسة.. و كانت اذا تأخرت لم تنج من اشارات «الأب» و تلمیحاته، الی جریرة «أبی العتاهیة» فی احتجازها
عن حضور الصلاة!.. هذا اذا جاءت من غیره.. فأما اذا استطاعت أن تجره وراءها، فلا لوم و لا تثریب!..

«و یقول لك هؤلاء «الآباء»: اننا لا نستطیع أن نجتذب هذا الشباب الا بهذه الوسائل. و لكن أحدا منهم لا یسأل نفسه: و ما قیمة اجتذابهم الی الكنیسة.. و هم یخوضون الیها مثل هذا الوحل، و یقضون ساعاتهم فیه؟ أهو الذهاب الی الكنیسة هدف فی ذاته؟ أم آثاره التهذیبیة فی الشعور و السلوك؟ و من وجهة نظر «الآباء» التی أوضحتها فیما سلف - مجرد الذهاب الی الكنیسة هو الهدف. و هو وضع لمن یعیش فی أمریكا مفهوم!

«و لكنی أعود الی مصر، فأجد من یتحدث أو یكتب عن الكنیسة فی امریكا، و عن سماحتها فی مقابلة الخطأ و الانحراف. و عن نشاطها فی تطهیر القلوب و الأرواح. و عن استبقاء سلطان الدین بهذه الأسالیب المتطورة، التی لا تتشدد فیهرب منها الناس. «و لله فی خلقه شؤون» [6] .


[1] سيد قطب: السابق ص 75.

[2] الاسلام علي مفترق الطرق، ص 33.

[3] الاسلام علي مفترق الطرق، ص 37 - 36.

[4] الاسلام علي مفتوق الطرق، ص 154.

[5] تحت الطبع.. راجع الاسلام و مشكلات الحضارة ص 82.

[6] من كتاب سيد قطب «امريكا التي رأيت»...